شبكة نور الاستقامة
الجمعة 10 / شوال / 1445 - 08:46:10 صباحاً
شبكة نور الاستقامة

ما الذي تراه في المتولي...

المفتي : الإمام نور الدين عبدالله بن حميد بن سلُّوم السالمي

السؤال

ما الذي تراه في المتولي للمشرك لشركه ولجحده وشكه هل هو مشرك أوكافر نعمة ونفاق، فإني وجدت عن أبي سعيد الكدمي _رحمه الله_ الإجماع على كفره نعمة ونفاقا، وكنت قدما قبل اطلاعي على هذا الإجماع ولعلي قد اطلعت عليه قدما -ولكن رشحه الإناء-. أقول: بشركه وإنه بمنزلة المتولي جحداً ومساواة لقوله جلَّ من قائل: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادَّ الله ورسوله}(2) الآية، وقوله: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}(3) وقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب قوما فهو منهم"، وفي حديث آخر "حُشِر معهم". فهذه الآيات والأحاديث تدل على ما كنت أقوله، ولأن المصوب للمشرك لشركه راد للتوحيد بطريق اللزوم وإن كان يقر بالجملة ولوازمها، لأن من صوب فاعل شيء خطّأ فاعل ضده، ومن خطأ ذا التوحيد لتوحيده فهو مشرك، وما معنى الإجماع، والأثر المغربي ناطق بشرك هذا المتولى؟ وإن كانت عبارتهم بالشرك عن ارتكاب خصلة منه، لكن ظاهر عباراتهم في هذا المقام تقتضي تشريك المتولى والله أعلم. أرجو منك كشف الغطاء عن هذه النازلة.

الجواب

نزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء}(1) الآية في المنافقين الذين كانوا في زمان النبى صلى الله عليه وسلم بدليل قوله في آخر الآية: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم}(2) أي في موالاتهم ومعاونتهم {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة}(3) وسبب ذلك أن عبادة بن الصامت قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي موالي من اليهود كثر عددهم وإنى أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم، أو إلى الله ورسوله، فقال ابن أبيّ: إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالي فنزلت الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكم على أولئك المافقين بحكم اليهود والنصارى، بل عاملهم بمعاملة أهل التوحيد ووكل سرائرهم إلى الله. فذلك أصل الإجماع الذي ذكره أبو سعيد _رحمه الله تعالى_. فإطلاق الآية غير مراد في كل شيء، غير أنهم محسوبون منهم في الموالاة والمناصرة ويحشرون معهم يوم القيامة، ونفي الإيمان عمن يوالي من حادّ الله ورسوله في سورة المجادلة لا يستلزم الشرك لثبوت المنزلة بين الشرك والإيمان وهي النفاق وكفر النعمة. فنحن نثبت المنزلة بين الشرك والإيمان خلافا للخوارج، وننفي المنزلة بين الكفر والإيمان خلافا للأشاعرة في اثباتهم منزلة بينهما سموها الإيمان الناقص، ولا شك أن تصويب المشرك شرك في الباطن، كما أن الشك في التوحيد شرك أيضا، غير أن إظهار الإسلام هو المعتبر في المعاملة كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الاسلام وحسابهم على الله تعالى". رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر. فتراه قال: وحسابهم على الله إشارة إلى ما أظهروه من الكفر في بواطنهم، وأولئك هم المنافقون الذين أخفوا الشرك وأظهروا الإسلام ولهم في الآخرة الدرك الأسفل من النار بسبب ما أخفوا من الشرك. صار الجزاء موافقا للعمل أخفوا فأخفوا في المضيق الأسفل. وقد ذكر الله المنافقين بما يصرح بشركهم في الباطن ومع ذلك فالنبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعاملونهم معاملة أهل الإسلام من الطهارة والنكاح والذباح والميراث ودخول المساجد والمعاملة والمخالطة. واقرأ قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين }(1) إلى قوله: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن}(2) وقوله تعالى: {وإذا لقوكم قالوا آمنَّا وإذا خلوا عَضُّوا عليكم الأنامل من الغيظ}(3) وقوله تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا}(1) إلى آخر ما ذكر الله عنهم في سورة التوبة وأمثالها من الآيات تجد الشرك فيما أضمروا وفيما أظهروه عند بعضهم بعضاً، غير أنهم أخفوه عن المسلمين، فلم يعاملوا بما دسوا من ذلك، فهذه الأحوال مستند الإجماع الذي ذكره أبو سعيد _رحمه الله تعالى_. فإن رأيت قولاً في مثل هؤلاء بالتشريك فإنما المراد به حكمهم في الآخرة، وفيما عند الله في السريرة دون الأحكام الطاهرة، فإنهم في الباطن مشركون كما بينته لك غير مرة، وبذلك استحقوا الدرك الأسفل من النار أعاذنا الله والمسلمين. راجع الأثر، وطالع التفسير فالجواب في موضع بعدت عيني فيه الكتب للمطالعة، والعلم عند الله والسلام والله أعلم.

اترك تعليقا