شبكة نور الاستقامة
الجمعة 10 / شوال / 1445 - 09:34:54 صباحاً
شبكة نور الاستقامة

ما قولكم في الذبح بالسكين...

المفتي : الإمام نور الدين عبدالله بن حميد بن سلُّوم السالمي

السؤال

ما قولكم في الذبح بالسكين المسروقة والمغصوبة والمتنجسة، فإنا قد رأينا في الأثر الخلاف في تحريم المذبوح بأحد هذه المذكورات، فما وجه ذلك الخلاف؟ وما الذي عندكم من القول في المذبوح بها؟

الجواب

قد رأينا الخلاف الذي ذكرته ولم نجد له توجيهاً، لكني أقول: إن الذبح بالسكين المسروقة والمغصوبة إنما هو استعمال لمال الغير على سبيل التعدي، وهو ظلم إجماعاً، فالذابح بشيء منهما عاصٍ لربه، ومتعد على صاحب السكين إجماعاً، فذبحه بتلك السكين منهي عنه إجماعاً، وإذا ثبت أنه منهي عن ذلك الذبح بتلك السكين صح أن يختلف في ذبيحته بها، لأنهم اختلفوا في فساد المنهيّ عنه؛ أفسده قوم، وقالوا: إن النهى يدل على فساد المنهي عنه، ولم يفسده آخرون، وصححوا أن النهي لا يدل على فساد المنهي عنه، فمن هذا الخلاف الوارد في هذه القاعدة منشأ الخلاف في تحريم المذبوحة بالآلة المغصوبة والمسروقة. والقول عندي بعدم تحريمها أصح، لأن جميع ما ذكر من بيان التعدي على الغير في ماله إنما يدل على معصية المتعدي، وأن هذه الذبيحة إن كانت مما أحل الله من الأنعام فهي على حكم الله تعالى فيها، فلا تنتقل عنه إلى الحرمة إلا بوجه من الوجوه التي يتيقن انتقال الحكم فيها، وهذا الذابح قد فعل في المذبوح ما أمر به من ذكاتها، وليس كون السكين حلالا من شروط الذكاة الشرعيَّة. هذا ما عندي من القول في المذبوح بالآلة المسروقة والمغصوبة. وأما الخلاف في تحريم المذبوحة بالآلة المتنجسة فلا أعرف وجه القول بالحرمة في ذلك، ولا أرى إلاّ حِلّ المذبوح بها، ولعل القائل بالحرمة فيه رأى أن الذبح نوع من العبادات، لما فيه من نوع القربة والتقرب إلى الله تعالى، ورأى أن بعض العبادات لا تؤدى إلا بطهارة كالصلاة، فقاس الذبح على الصلاة، وجعل الطهارة شرطاً فيه، ولنا أن نقول على أثره: إن الذبح لم يتعين أنه عبادة وإنما هو من جملة المباحات في غالب أحواله، وإنما يكون قربة بقصد التقرب فيه لا من حيث ذاته، وهذا شأن المباح في جميع صوره، وكون الذبح في بعض أحواله عبادة كهدي المتمتع لا يستلزم أن يكون عبادة في جميع أحواله، ولو لزم ذلك للزم أن يكون جميع هيئات الصلوات فرائض لوجود الفريضة في الصلوات الخمس منها، وللزم أن يكون جميع أنواع الصوم فرضا أيضا لوجود الفرضية في صوم شهر رمضان وهكذا، فإن ادعاء كون جميع الذبح عبادة لوجود العبادة في بعض أنواعه كادعاء الفريضة في جميع هيئات الصلوات، وأنواع الصيام لحصول الفرضية في بعض أنواعهما وبطلان هذا ظاهر جَليّ. ولو سلمنا أن الذبح في جميع أنواعه عبادة لمنعنا أن تكون الطهارة شرطاً لصحته لأجل كونه عبادة، لم لا نمنع ذلك، وهذه العبادات غالبها لم يشترط فيها ذلك، فالطهارة إنما هي مشروطة في صحة بعض العبادات لا في جميعها، واشتراط الطهارة في صحة بعض أنواعها لا لكونها عبادة، وإنما هو لأمر جُبَّ أمثالنا عن الاطلاع عليه لأنه أمر غير معقول المعنى، ففرضنا قطعنا بحقيقته، وانقيادنا لتأديته. والله سبحانه وتعالى أعلم.

اترك تعليقا