شبكة نور الاستقامة
الجمعة 10 / شوال / 1445 - 07:34:56 صباحاً
شبكة نور الاستقامة

نقل القطب عن أشياخ الديوان...

المفتي : فضيلة الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض

السؤال

نقل القطب عن أشياخ الديوان رضي الله عنهم جواز الزيادة على الثلث في الوصية، فهل في المسألة خلاف؟ وما وجهه؟

الجواب

يقول صاحب النيل رحمه الله تبارك وتعالى: "ولا يصح لتارك وارث إيصاء بأكثر منه إن لم يجزه إجماعا" قال شارحه: (وأما قول بعضهم إنه يصح الإيصاء بالنصف، وقول بعضهم إنه يصح الإيصاء بأكثر من النصف، فلشدة ضعفهما، وغرابتهما أسقطهما، ولم يعتد بهما، وأثبت الإجماع. وإلا فقد ذكروهما في الديوان: الأول بتصريح، والثاني بإشارة إذ قالوا: وقيل غير ذلك ونقول: إن الحق ما ذكره الشيخ من الإجماع على عدم جواز الوصية بأكثر من الثلث، ولقد أحسن الشيخ الشارح في تعليله لحكاية الإجماع بشدة ضعف وغرابة القول بجواز الوصية بأكثر من الثلث. حقا إن هذا الخلاف لا يعتبر. ولاحظ له من النظر. وقديما قالوا: وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلاف له حظ من النظر وهذا النوع من الخلاف الذي لا حظ له من النظر، وكيف يكون له حظ من النظر وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سعد بن أبي وقاص المشهور إذ قال: "الثلث والثلث كثير "(1) وحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث زيادة في حسناتكم"(2) ونحن نعتقد وهو من الضروري والمنصوص عليه أن من التركة، وصية، ودينا، وميراثا، وأن الميراث إنما يكون بعد الوصية والدين، وأن الدين إذا ثبت لا حد له، وقد يستغرق المال كله، وأن الوصية لا يجوز مطلقا قطعا، ويقينا أن تستغرق المال كله إذا كان هنالك وارث، وإذا فلا بد لها من حد لا تتجاوزه مطلقا. ومن ذا الذي يضع هذا الحد، و ينص عليه إلا الشارع صلوات الله عليه، وسلامه، وقد حده فعلا بالثلث، وإذا أنكرنا هذا الحد، وتعديناه ففي أي مقدار نقف؟ والمقادير المحتملة فوق الثلث قد عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم: النصف والثلثان، فأنكرها بقوله لسعد بن أبي وقاص: "لا"(3) فمن ذا الذي يبيح لنفسه أن يتعدى ما حده رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنه يخرج بذلك إلى فضاء لا حدود له، وإلى فوضى لا نظام لها، وهذا ما لا يقبله شرع، ولا عقل، "وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه"(4) هذا كله إذا اعتبرنا جواز الوصية بأكثر من الثلث حكما بصحة الوصية، ووجوب إنفاذها على الورثة مهما بلغت. و وقوع الميراث فيما بقي بعد ذلك مهما قلته: فإن كان هذا فإنه الممنوع الذي لا يجوز لمسلم أن يقوله، ولا أن يفتى به، ولا أن يحكم به. وأما إذا أردنا بالجواز الذي حكي في الديوان أنه لا يحكم بعصيان الموصي بأكثر من الثلث إذا كان يعتقد أن الأمر راجع إلى الورثة في القبول بما أوصى، أو الرد إلى الثلث، وأنه لا يحكم عليهم جبرا بثبوت الوصية بأكثر من الثلث، إلا إن تبرعوا بالقبول، طائعين، مختارين، بشرط ألا يكون بينهم يتيم غير بالغ، أو مجنون غير عاقل، فيكونون حينئذ متصدقين بجزء من مالهم الخاص الذي ثبت لهم بطريق الميراث، وهذا ما نراه احتمالا للقائل بهذا القول من أصحاب الديوان أعني أن مراده بالجواز أنه لا يحكم على هذا الموصي بالعصيان بمجرد وصيته. وقد وقع عندنا مثل هذا، إذ أراد موص أن يوصي بوصايا رآها ضرورية لنجاته عند الله بكفارات، وغيرها تأخذ أكثر من ثلث التركة. فلما قيل له في حال الإيصاء: إن هذا لا يجوز وهذه المقادير تتجاوز ثلث تركتك، أجاب: إني أعلم هذا، وليس لي على الورثة من بعد موتي سلطان، وإنما أوصي بهذا حسن ظن بهم، فإن تبرعوا وأحسنوا و أنفذوها كلها فذلك من فضل ربي، وإن ردوها إلى الثلث فهو حق لهم، ولا لوم عليهم، ولا عتب، فمثل هذا الموصي لا يقال عصى بصنيعه هذا، فإن أمره لا يعدو أن يكون رجاء من ورثته، وطلبا منهم أن يتبرعوا عليه بما جاوز الثلث من وصيته، والأمر بعد لهم. هذا ما نراه في تأويل كلام أصحاب الديوان حسن ظن بهم. و السلام عليكم ورحمة الله، هذا ما من الله به في الجواب، وأرجو أن يكون أصاب كبد الصواب. =========== 1: هذه العبارة جزء من حديث رواه ابن ماجه في الباب الخامس من كتاب الوصايا ورواه غيره. 2: رواه ابن ماجه كذلك في الباب بلفظ، إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم. 3: رواه الربيع في باب الوصية و هو الحديث الثمانون بعد الستمائة كما رواه من أصحاب السنن. 4: الآية 1 من سورة الطلاق.

اترك تعليقا