شبكة نور الاستقامة
الخميس 18 / رمضان / 1445 - 02:04:42 مساءً
شبكة نور الاستقامة

أعلام خرسان 2

أعلام

بشر بن غانم الخراساني
أبو غانم
(ق6- 3هـ)

إمام حافظ فقيه، من أهل خراسان، قدم إلى البصرة لتلقي العلم على يد علماء الإباضية هناك، ويبدو أنه قضى أغلب حياته فيها، فدرس على يد تلامذة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي (ت 150 هـ تقريبا) وقيّد عنهم سماعا كتابه المشهور بالمدونة في أواخر القرن الثاني الهجري، ثم خرج من المشرق متوجها إلى المغرب لبفد على الإمام الرستمي عبد الوهاب بن عبد الحمن (ت 188-208هـ) ومعه مدونته المشهورة، فمرّ بمصر، وأضاف إلى المدونة آراء الإمام ابن عباد برواية بعض إباضية مصر عنه، ثم اجتاز على جبل نفوسة فاستودع عمروس بن فتح نسخة من مدونته، وتمادى إلى تاهرت حتى لقي الإمام عبد الوهاب فعرض عليه مدونته، وما رجع أبو غانم من تاهرت إلا وقد أكمل عمروس انتساخ الكتاب دون إذن مؤلفه، فسمّاه سارق العلم.
عرف أبو غانم بتواضعه وحرصه الشديد على طلب العلم، وأمانته وتحرّيه في النّقل، وإلحاحه في السؤال لأجل الضبط والتثبت، وكتابه ""المدونة"" شاهد على دقة عجيبة في رواية الأحاديث ونسبة الأقوال.

شيوخه:
للإمام أبي غانم عدد كبير من الشيوخ، سمّى بعضا منهم في مدونته، وأشارت المصادر إلى البعض الآخر، فمن شيوخه:
- أبو عمرو الربيع بن حبيب الفراهيدي البصري.
- أبو سعيد عبد الله بن عبد العزيز البصري.
- أبو المؤرج عمرو بن محمد القُدمي اليمين.
- أبو غسان مخلد بن العمرّد.
- أبو أيوب وائل أيوب الحضرمي.
- أبو منصور حاتم بن منصور الخراساني.
- أبوسفيان محبوب بن الرحيل المكي.
- أبو المهاجر هشام بن المهاجر الحضرمي.
- وذكرت بعض المصادر تلقّيه العلم عن: أبي نوح صالح الدهان، وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي، وضمام السائب، وأبي مورود حاجب بن مورود، والأمر يحتاج إلى مزيد بحث وتوثيق.

تلامذته:
يقول الأستاذ صالح البوسعيدي: «لابدّ أن يكون لعالم حريص على طلب العلم ونشره كالإمام أبي غانم تلامذته الذين تلقوا العلم على يديه، لكن المصادر لا تسعفنا بعدد كبير منهم، ومن أشهر تلامذته: أبو حفص عمروس بن فتح المساكني النفوسي، وإمام المسلمين أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الرستمي ثالث أئمة الدولة الرستمية الإباضية».

آثاره:
1- المدونة: ويشار إليها أيضا في المصادر الإباضية باسم: «الغانمية» (الوسياني) أو «الغانمي» (الدرجيني) وهي كتاب رواية فقهي، قيّد فيه مؤلفه ما وصل إليه من أقوال علماء المذهب الإباضي الذين لقيهم وشافههم، أو سمع ممن شافههم، إضافة إلى قدر بسيط من أقوال فقهاء المذاهب الأخرى، وقد رويت عنه المدونة في تاهرت، ونسخت في جبل نفوسة، ويتفق كل من الوسياني والدرجيني والشماخي أنّ الكتتاب كان في اثني عشر جزءا، إلا أن البرادي - في وصفه المدونة - عدّد ثلاثة عشر كتابا تشتمل عليها. وتكمن أهمية المدونة في كونها تقدم عرضا جليّا لتطور الحركة الفقهية عند الإباضية في المرحلة الزمنية المبكرة التي شهدت اهتمام علمائهم بتأسيس المذهب وترسيخ جذوره، ولاشك أن تلك الأقوال التي تضمنتها المدونة «تشكّل أصول تكوين المدرسة الفقهية الإباضية» التي كان أثرها واضحا في منهج فقهاء الإباضية الذين جاؤوا من بعد.
2- كتاب ""اختلاف الفتوى"" أو ""اختلاف الفتيا"": ذكره العلامة البرادي في رسالته المختصرة فيتقييد كتب الإباضية بعنوان: ""كناب اختلاف الفتيا"" وقال عنه في الرسالة المطولة: «وكتاب اختلاف الفتوى لابن غانم، مفرد على حدته» ولا نعلم شيئا عن هذا الكتاب سوى كونه مرجعا لإباضية المغرب في القرون الأولى، وعليه معتمدهم إلى القرن السادس الهجري، يدل على ذلك قول الفقيه ابن خلفون (ق6هـ) مخاطبا شيوخ العزابة: «والله ما علمت لكم كتابا غير كتاب اختلاف الفتيا والغانمي». ولا ندري مصيره بعد ذلك.
ولعلّ وصف البرادي له بفهم منه وقوفه عليه، فيكون موجودا إلى القرن التاسع.
3- الديوان المعروض على علماء الإباضية: وهو كتاب ضخم، يضم بين صفحاته عدة كتب منها: أقوال قتادة، وآثار الربيع وروايات ضمام، وكتاب النكاح وكتاب الصلاة للإمام أبي الشعثاء، ونكاح الشغار لعبد الله بن عبد العزيز وغيرها. وتوجد من هذا الديوان نسختان بجربة، وقف عليها الدكتور النامي، وأشار إلى نسخة ثالثة بدار الكتب المصرية بالقاهرة، نسب تأليفه إلى مجهول، إلا أن بعض الباحثين يرجّح أنّه هو أبو غانم صاحب المدونة، نظرا إلى أن معظم مصادر الروايات التي يحتويها هذا الديوان الضخم هي المصادر نفسها التي ذكرت في مدونة أبي غانم، وهذا الرأي هو الذي استظهره الدكتور النامي ومال إليه.
وفاته
لا نجد في المصادر التي بين أيدينا ذكرا لتاريخ وفاة أبي غانم، غير أن القائمين على إعداد موسوعة العالم الإسلامي حددوا سنة 200 هـ (اعتمادا على معلومات أمدّتهم بها سفارة عمان بالأردن) ويميل الدكتور النامي إلى القول أنّ أبا غانم أدرك العقود الأولى من القرن الثالث الهجري، وتوفي - على التقريب - سنة 205هـ.

المصادر:
• أبو غانم: المدونة الكبرى (ط دار اليقظة) ج1، 2 كله.
• أبو غانم: المدونة الكبرى (ط التراث) ج1، 2 كله.
• أبو غانم: المدونة الصغرى (ط التراث) ج1، 2 كله.
• عمروس: أصول الدينونة الصافية (مقدمة المحقق) 24.
• الوسياني: سير المشايخ (مخ) 3 - 4.
• الوارجلاني: كتاب الترتيب ج4/رقم 902، 910، 912، 913.
• ابن خلفون: أجوبة 14، 111، 42، 83.
• الدرجيني: طبقات 2/323، 496.
• الشماخي: السير 1/194-195، 2/106.
• البرادي: رسالة في تقييد كتب أصحابنا المطولة - ملحقة بموجز أبي عمار) 2/284.
• البرادي: رسالة في كتب الإباضية (المطولة) 57-58.
• البرادي: رسالة في تآليف أصحابنا (المختصرة - ملحقة بالمجوهرات المنتقات) 218-219.
• النور السالمي: تعليق على رواة المدونة (كله)
• النور السالمي: اللمحة المرضية 13، 18.
• مشهور حسن وآخرون: موسوعة العالم الإسلامي 132.
• النامي: وصف مخطوطات إباضية (مترجم) 21.
• النامي: دراسات في الإباضية (بالإنجليزية) 91، 97.
• الجعبيري: علاقة عمان بشمال إفريقيا 25.
• الجعبيري: البعد الحضاري 105.
• ديني: أشعة الفقه الإسلامي (3) 81-88.
• الراشدي: الإمام أبو عبيدة 247.
• البوسعيدي: رواية الحديث عند الإباضية 89-166.
• بوحجام: التواصل الثقافي (مجلة الحياة ع3) 156-157.

ملاحظات:
- ذكر الأستاذ صالح البوسعيدي رأي ""موسوعة العالم الإسلامي"" في تحديد سنة وفاة أبي غانم، ثم تعقبه بقوله: «يبدو للباحث أن هذا التقييد غير دقيق، وأن وفاة أبي غانم كانت بعد ذلك، والذي يدعونا إلى هذا الترجيح هو أن الإمام أبا غانم قد لقي عمروس بن فتح وترك عنده نسخة من المدونة وعمروس قتل في وقعة مانو سنة 283هـ، وتبين قصة مشاركته في القتال وكيفية أسره أنه كان حينذاك قويا صلبا، فلو فرضنا أنه أبا غانم قد لقيه سنة 200هت مثلا، وفرضنا أن عُمْر عمروس حينئذ كان عشرين سنة على أقل تقدير فإنّ سنّ عمروس حين استشهاده يكون مائة وثلاثون سنوات، ورجل في مثل هذا السن تستبعد مشاركته في معركة وبتلك الصلابة، ولهذا فإنّنا نرجّح أن لقاء أبي غانم بعمروس كان حوالي سنة 220هـ، ومعنى هذا أنّ وفاة أبي غانم ليست قبل هذا التاريخ» ا.هـ.
ولكي نستطيع الوصول إلى تاريخ دقيق لوفاة أبي غانم ينبغي أن نأخذ الأمور التالية في الاعتبار:

- أولا: إنّ مرور أبي غانم بعمروس وتركه نسخة من المدونة عنده كان في زمن الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن (الوسياني 4 ؛ الدرجيني 2/323 ؛ الشماخي 1/194) وقد اختلف المؤرخون في سنة وفاة الإمام عبد الوهاب، وهي السنة التي انتهت بها إمامته:
- فقيل سنة 188هـ، وهو قول ابن عِذَارى المرّاكشي (البيان المُغرب 2/197)
- وقيل سنة 190هـ رجّحه المجاهد الباروني (الأزهار الرياضية 163) وتابعه عليه الدكتور النامي (أجوبة ابن خلفون 109).
- وقيل سنة 208هت وإليه ذهب محققا كتاب ابن الصغير (56) واعتمده معجم إباضية المغرب (3/591).
وعلى القولين يكون أبو غانم قد مرّ بعمروس قبل سنة 188هـ أو 190هـ وهذا الذي يراه الدكتور النامي، إذ يقول إن أبا غانم رحل إلى تاهرت في أواخر القرن الثاني الهجري، بعد أن تقلص الوجود الإباضي في البصرة بوفاة أعلامه الكبار، أما على القول الأخير فرحلة أبي غانم يمكن أن تكون في أوائل القرن الثالث، لكنها لا تتعدى سنة 208هـ.

ثانيا: إنّ المصادر تنصّ على أنّ عمروسا لما نسخ مدونة أبي غانم كان صغير السّن: «وعمروس حينئذ حدَثٌ» (الدرجيني 2/323) كما تشير أيضا إلى أنّه عمّر زمنا طويلا: «حاز قصب السبق وإن كان في السن متأخرا» (الشماخي 1/192) وله في سنّه نظائر من أقرانه:
- فهذا أبو القاسم سدرات بن الحسن البغطوري أدرك وقعة مانو وعمره قد تجاوز المئة، وتوفي تقريبا سنة 313هـ فعاش ما لا يقل عن 130 سنة.
- وهذا أبو محمد سعد بن وسيم الويغوي، تلقى تعليمه الأول على يد الإمام عبد الوهاب وابنه افلح، وعاش حتى معركة مانو سنة 283هـ.
- وهذا عبد الله بن الخير بقي على قيد الحياة بعد وقعة مانو، وعُمِّر ما يقرب من 120 سنة.
- ولئن صحّ أن عمروسا أصغر إخوته - نظرا إلى أنّ أمّه توفيت عنه وهو في المهد - تكن أخته التي ساعدته في نسخ المدونة أكبر منه، وقد ثبتت مشاركتها معه في وقعة مانو.
بناء على ما سبق، لا إشكال في تاريخ لقاء أبي غانم بعمروس، لكن المشكل أن لا نجد في المصادر ذكرا لأبي غانم بعد رحلته إلى المغرب، ويبدو - أقرب إلى الواقع - أن يعدّ أبو غانم من أعلام الطبقة الخامسة (200-205هـ) وهي التي تلي طبقة الإمام الربيع وأقرانه، خاصة إذا أخذنا بقول من يرى أن إمامة الإمام عبد الوهاب امتدت إلى القرن الثالث وانتهت سنة 208هـ، فتكون وفاته في النصف الأول من القرن الثالث، دون أن نملك دليلا يحدد تاريخا بعينه. والعلم عند الله.
يفهم من سياق النصوص التاريخية أن أبا غانم كان مصطحبا معه في رحلته إلى المغرب نسختين - على الأقل - من مدونته، يدل على ذلك قول البدر الشماخي «واستودع عمروسا نسخة منها» وقوله فيما بعد: «فلما وقع ما وقع بتيهرت وأحرقت كتبها بقيت نسخة عمروس ينتفع بها الإباضية» ونستنتج من ذلك:
- أن نسخة من المدونة سلّمها أبو غانم للإمام عبد الوهاب، وكان مصيرها الحرق بعد ذلك.
- وأن نسخة أودعها عند عمروس، ثم أخذها منه في طريق عودته، ولا ندري مصيرها.
- وأن نسخة بقيت عند عمروس، ينتفع بها إباضية المغرب، وكان معتمدهم حتى القرن السادس أو أبعد من ذلك، كما يؤخذ من عبارة بن خلفون الآف ذكرها في الترجمة.
- ويشير الدكتور النامي - نقلا عن بعض المستشرقين - إلى أن المدونة حظيت باهتمام كبير لدى الإباضية، فكتبوا عليها تعقيبات وحواشي باللغتين العربية والبربرية، ويذكر مثالا على تلك الجهود - نقلا عن الديوان المعروض - ما قام به أحدهم، واسمه: أبو القاسم بن ناجد أو ناصر (؟!) إلى أن جاء العلامة القطب (ت 1332هـ) فظفر بنسخة غير مكتملة ولا مرتبة، فجمعها وأعاد ترتيب محتوياتها، وضمّنها بعض التعليقات.
• ينقل المستشرق الألماني شاخت عن الشيخ الشيبة محمد بن نور الدين السالمي أن نسخة الشيخ القطب التي رتبها وعلّق عليها تسمى ""المدونة الكبرى"" تمييزا لها عن المدونة الأصل الخالية من التعاليق، والتي يطلق عليها اسم"" المدونة الصغرى"".
ويعد المقارنة يتضح أنّ بين النسختين اتفاقا كبيرا، غير أن كل واحدة منها تنفرد عن الأخرى ببعض المسائل والنّصوص.
شهد - كما سبق نقله قبل قليل عن النامي - أن القطب رتّب أبواب المدونة بعد أن كانت مبعثرة، والواقع: أني لا أدري ما حقيقة هذا الترتيب، فمقدمة القطب على المدونة لا تفيدنا بشيء حول ذلك، وقد اطلعت على نسخ مخطوطة للمدونة يعود تأريخ نسخها إلى ما قبل القطب بعشرات السنين، وترتيبها مطابق تقريبا للترتيب المنسوب للقطب، إلا إذا كانت ثمة فروق بسيطة بين العملين ووما ينبغي ملاحظته هنا افتتاح القطب زياداته على المدونة بقوله: «قال المرتي». والأمر يحتاج إلى مزيد من التروي لمعرفة الصواب.

ِ

اترك تعليقا